كانت رحلة طويلة خلال ساعات الليل لم أنم فيها إلا قليلا ، كنت مشغولا بالتفكير في ما سيحدث في رحلة العمل هذه و هل سأوفق لما جئت له أم لا ، قرأت قليلا و نمت قليلا و ما إن وصلنا و أنتهيت من إجراءات الخروج و وطأت قدماي أرض مدينة كوتشين الهندية خارج مطار كوتشين حتي أنهمرت السماء بأمطارٍ لم أر لها مثيلا من قبل في قوتها و شبابها و عنفوانها. سرحتُ في هذا الجمال الرباني و أسرتني رائحة المطر النقي القادم من السماء لم تلوثه بعد أدران الأرض . هذا المطر النقي الذي لا يطلب منا مقابلاً لشربه أو الأستحمام به أو ري أراضينا بل يفعل هذا راضياً مقتنعا بقيمة الخير و فعله دون مقابل.
بينما أنا سارح هكذا إذا بيدٍ تربتُ علي كتفي و تسألني أأنت مهندس احمد؟ ، قلت: نعم ، قال: أنا حمزة.
حمزة رجل هندي مسلم في الستين من عمره أبيض الشعر ذو لحية طويلة و جهه تفيض منه علامات الطيبة و الإيمان و الهدوء و السكينة ، وجهه أبيض نقي و لكنه مع ذلك فيه شحوب و ذبول أعرفه أنا جيداً.
ركبنا السيارة و تجاذبنا أطراف الحديث طوال الطريق للفندق و الذي كان قرابة الساعة و فوجئت أنه يعرف عن مصر و ما يحدث فيها و عن العراق و ما يحدث فيها أكثر مما يعرفه الكثير منا.
أوصلني علي وعد باللقاء في اليوم الثاني لبدء العمل في ما جئتُ لأجله . قضيت جزءاً كبيراً من اليوم مترنحاً أحاول النوم و لا استطيع ، قضيته متمتعاً بالنظر إلي المطر المنهمر دون هوادة أسبح الله و أحمده علي هذه اللوحة الرائعة من مطر منهمر بالخير ، أفتقدتُ رؤيته لأعوام و خير وفير و خضرة نضرة مد البصر لا نهاية لها.. شئ رائع وجميل ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الله.
نمت ليلاً كالطفل الصغير و جاء عم حمزة في الصباح و كان المطر قوياً جداً حيث كان يبدو لي و كأنها تمطر أطفالاً من السماء و كانت نقطة المطر إذا سقطت علي تؤلم من كبرها و قوتها !!
ذهبنا إلي مكتبه و بدأنا العمل و رآني عم حمزة في المكتب أقيس سكري و لم يعلق بل تظاهر بأنه لم يرنِ ثم رآني بعد ثلاث ساعات أقيس مرة أخري فلم يتمالك نفسه و قال لي بصوت كله يقين: ما هذا الذي تفعله يا مهندس أحمد ، أأنت مجنون !!
ضحكت و قلت له: إذا أنت سكري يا عم حمزة ؟ قال: نعم ، قلتُ: هذا ما ظننت عندما رأيتك أول مرة لقد رأيت هذا الشحوب الذي أعرفه في وجهك ساعة رأيتك في المطار و لكني لم أسألك و عرفت ساعتها أنك سكري و أنك لا تتحكم بسكرك جيداً
قال بحدة: لا - أنا أتحكم به جيدأ جدا
قلت: كم مرة تقيس يوميا يا حاج حمزة؟
قال بسخرية: يومياً!!! أنا أقيس مرة شهريا بأمر الطبيب حيث قال لي لا داعي لكل التعقيدات الكثيرة و القياس اليومي ، فقط مرة واحدة شهريا تكفي.
و كم يكون القياس في هذه المرة الشهرية يا عم حمزة ....قال من 220 إلي 260
و ماذا يقول لك الطبيب علي هذا؟
قال: لا يقول شيئا.
و ماذا يعطيك يا
عم حمزة؟
مكستارد
30 – 70 .......يا الله يا لهذا القاتل الصامت ال 70 - 30 – حسبي الله و نعم الوكيل
هل ممكن أنت تقيس الآن يا عم حمزة ......نعم و لم لا ....... قاس عم حمزة و كان القياس 292 !!!
صُدم عم حمزة و لم أُصدم أنا لأني أعرف المكستارد و ماذا يفعل فانا أستخدمته سنتين كاملتين.
هل لديك مضاعفات عم حمزة ....نعم لدي ألم في قدمي و نظري ضعف كثيراً و لدي مشاكل في علاقتي الزوجية و ماذا يقول لك الطبيب يا عم حمزة؟ ....لا شئ فقط أستمر علي هذا ال 30 – 70
عم حمزة هل تريد أن تضبط سكرك ....قال : بالطبع لكن لا أعرف و لا أستطيع أن أفعل أكثر من هذا ..
بدأت أشرح له و احدد له معاملاته و كيف يستخدم أنسولين سريع و قاعدي و كيف يضبط الجرعات و كيف يعد الكربوهيدرات و كيف يفهم أنواع الطعام و عم حمزة يجلس مشدوها فاغراً فمه من الدهشة و بعد ساعتين من كلامي المستمر مجاوباً أسئلته الكثيرة ، قلت له و أهم شئ أني سأصدر عليك حكماً بالإعدام بالنسبة لك كهندي تعيش في الهند ..ضحك و قال ما هو ، قلتُ : لا قمح و لا حبوب تماما و لا منتجاتهما لأنهما سكر يا عم حمزة..
سألني: أصبر لو سمحت يا مهندس !! ماذا تقول كيف يكون القمح سكراً فشرحت له شرحا مطولاً فقال لي لالالا يا مهندس هذا كثير علي و لم أسمع بكلمة واحدة عنه من هذا الطبيب أو غيره.
أنا سأوصلك للفندق الآن و كانت الساعة الخامسة بعد الظهر و سأمر عليك الليلة في الفندق نجلس سويا و نتكلم بإستفاضة و معي ابني مهندس البترول فرحان ليفهم معي ما ستقوله مرة أخري ..أرجوك ساعدني ..قلت حاضر يا عم حمزة و أنا أقول لنفسي يا الله هو السكر وراي وراي...الحمد لله علي كل حال ..
وصلت الفندق الساعة السادسة فأغتسلت و أكلتُ شيئا خفيفاً و صليت و أنتظرت عم حمزة الذي أتي و معه ابنه م. فرحان و جلسنا سويا في التراس الخارجي المغطي للفندق تحت أنغام قطرات المطر العملاقة التي لا تتوقف في جو رائع خلاب.
سألني عن كل شئ و أنا أجيب ، هو يسأل و أنا أجيب و أجيب و أجيب ، سألني عن نموذج ليوم أو أثنين أكل و كيفية حساب معامل الكربوهيدرات و الأنسولين المتبقي و معامل التصحيح و كيف يستخدم النوفو رابيد و أنا أتكلم ، طلب مني أن أكتب له هذه النقاط بإختصار ففعلت و بينما أنا أكتب و أنظر إلي الورق ، رفعت رأسي في لحظة خاطفة فإذا بوجه عم حمزة يتمتم بالشكر لله و عيناه تذرفان دمعاً غزيراً و هو يقول الحمد لله و الله يا م. أحمد لم أكن سأقابلك هذه الرحلة فأنا أسكن في بلد يبعد عن هنا 200 كيلومتر و كان أبني الاخر الذي يدير معي العمل هو الذي سيقابلك و لكنه مَرِض أمس و درجة حرارته أرتفعت و لم يستطع أن يجئ فجئتُ أنا مكانه ليكرمني الله بك و بمعرفتك ، فقلتُ و والله يا عم حمزة و أنا أيضا لم أكن سأحضر و أن كل شئ تم في يوم و ليلة لأجئ أنا هنا ، كأنما كانما ساقني الله إليك ..أنت رجل صالح يا عم حمزة و الله سبحانه و تعالي يحبك. أعطيت عم حمزه كل الملفات المطلوبة لتساعده من جهازي الكمبيوتر و أفهمته كل ما أستطيع أن أقوله و كل ما أستطاع أن يتقبله.
قال و الله يا مهندس مثلي خمسة مصابون بالسكري في عائلتي و عائلة زوجتي
قلت : عدني إن فهمت و ضبطت سكرك أن تعلمهم و تنقذهم
قال : و الله سأفعل ..
طالت بنا الجلسة إلي الثانية صباحا و نحن نتكلم عن السكري و ضبطه و جاء أبنه الثاني و كانت جلسة رائعة حفظته و لقنته فيها آليات السكري ظهرا عن قلب..
كان أكثر ما أثار دهشته القياس خمس مرات يومياً !! ضحكنا كثير علي القياس مرة شهرياً.
طائرتي كانت الساعة العاشرة صباحا أي يجب أن أغادر الفندق الساعة السادسة صعدت إلي غرفتي الساعة الثانية و النصف لأحضر حقيبة سفري و لا نوم تقريبا و لكنني سعيد. فالسعادة الحقة في مساعدة الناس و تغيير حياتهم إلي الأفضل.
جاء عم حمزة في الصباح و أوصلني للمطار و نزل من السيارة و ترجل معي و سلم علي علي باب الدخول و عانقني و هو يبكي في منظر أثر في و من حولنا كثيرأً و تركني في حالة راقية من الإنسانية الجميلة التي لا نصل إليها إلا قليلا.
كان عم حمزة قد أشتري الأنسولين المطلوب و بدأ الأفطار المتفق عليه و لكنه لم يقل لي ، كنت متخيلا أنه سيبدأ بعد رمضان و لكنه رجل ذو همة عالية ..
نزلتُ مطار دبي الساعة الثانية ظهراً لأجد رسالة أسعدتني كثيراً...
تقول: لأول مرة من 11 سنة م. أحمد ، سكري 118 ...لا أستطيع إلا أن أقول لك.. جزاك الله خيرأً...
أما أنا فأبتسمت و قلت الحمد لله
لن أنسي عم حمزة أبدا..إذا كانت حالتك قريبة من عم حمزة فغير من نفسك سريعا جدا و أضبط سكرك لأنه لا بديل لك عن ضبط السكري..
الحمد لله.
هل ممكن أنت تقيس الآن يا عم حمزة ......نعم و لم لا ....... قاس عم حمزة و كان القياس 292 !!!
صُدم عم حمزة و لم أُصدم أنا لأني أعرف المكستارد و ماذا يفعل فانا أستخدمته سنتين كاملتين.
هل لديك مضاعفات عم حمزة ....نعم لدي ألم في قدمي و نظري ضعف كثيراً و لدي مشاكل في علاقتي الزوجية و ماذا يقول لك الطبيب يا عم حمزة؟ ....لا شئ فقط أستمر علي هذا ال 30 – 70
عم حمزة هل تريد أن تضبط سكرك ....قال : بالطبع لكن لا أعرف و لا أستطيع أن أفعل أكثر من هذا ..
بدأت أشرح له و احدد له معاملاته و كيف يستخدم أنسولين سريع و قاعدي و كيف يضبط الجرعات و كيف يعد الكربوهيدرات و كيف يفهم أنواع الطعام و عم حمزة يجلس مشدوها فاغراً فمه من الدهشة و بعد ساعتين من كلامي المستمر مجاوباً أسئلته الكثيرة ، قلت له و أهم شئ أني سأصدر عليك حكماً بالإعدام بالنسبة لك كهندي تعيش في الهند ..ضحك و قال ما هو ، قلتُ : لا قمح و لا حبوب تماما و لا منتجاتهما لأنهما سكر يا عم حمزة..
سألني: أصبر لو سمحت يا مهندس !! ماذا تقول كيف يكون القمح سكراً فشرحت له شرحا مطولاً فقال لي لالالا يا مهندس هذا كثير علي و لم أسمع بكلمة واحدة عنه من هذا الطبيب أو غيره.
أنا سأوصلك للفندق الآن و كانت الساعة الخامسة بعد الظهر و سأمر عليك الليلة في الفندق نجلس سويا و نتكلم بإستفاضة و معي ابني مهندس البترول فرحان ليفهم معي ما ستقوله مرة أخري ..أرجوك ساعدني ..قلت حاضر يا عم حمزة و أنا أقول لنفسي يا الله هو السكر وراي وراي...الحمد لله علي كل حال ..
وصلت الفندق الساعة السادسة فأغتسلت و أكلتُ شيئا خفيفاً و صليت و أنتظرت عم حمزة الذي أتي و معه ابنه م. فرحان و جلسنا سويا في التراس الخارجي المغطي للفندق تحت أنغام قطرات المطر العملاقة التي لا تتوقف في جو رائع خلاب.
سألني عن كل شئ و أنا أجيب ، هو يسأل و أنا أجيب و أجيب و أجيب ، سألني عن نموذج ليوم أو أثنين أكل و كيفية حساب معامل الكربوهيدرات و الأنسولين المتبقي و معامل التصحيح و كيف يستخدم النوفو رابيد و أنا أتكلم ، طلب مني أن أكتب له هذه النقاط بإختصار ففعلت و بينما أنا أكتب و أنظر إلي الورق ، رفعت رأسي في لحظة خاطفة فإذا بوجه عم حمزة يتمتم بالشكر لله و عيناه تذرفان دمعاً غزيراً و هو يقول الحمد لله و الله يا م. أحمد لم أكن سأقابلك هذه الرحلة فأنا أسكن في بلد يبعد عن هنا 200 كيلومتر و كان أبني الاخر الذي يدير معي العمل هو الذي سيقابلك و لكنه مَرِض أمس و درجة حرارته أرتفعت و لم يستطع أن يجئ فجئتُ أنا مكانه ليكرمني الله بك و بمعرفتك ، فقلتُ و والله يا عم حمزة و أنا أيضا لم أكن سأحضر و أن كل شئ تم في يوم و ليلة لأجئ أنا هنا ، كأنما كانما ساقني الله إليك ..أنت رجل صالح يا عم حمزة و الله سبحانه و تعالي يحبك. أعطيت عم حمزه كل الملفات المطلوبة لتساعده من جهازي الكمبيوتر و أفهمته كل ما أستطيع أن أقوله و كل ما أستطاع أن يتقبله.
قال و الله يا مهندس مثلي خمسة مصابون بالسكري في عائلتي و عائلة زوجتي
قلت : عدني إن فهمت و ضبطت سكرك أن تعلمهم و تنقذهم
قال : و الله سأفعل ..
طالت بنا الجلسة إلي الثانية صباحا و نحن نتكلم عن السكري و ضبطه و جاء أبنه الثاني و كانت جلسة رائعة حفظته و لقنته فيها آليات السكري ظهرا عن قلب..
كان أكثر ما أثار دهشته القياس خمس مرات يومياً !! ضحكنا كثير علي القياس مرة شهرياً.
طائرتي كانت الساعة العاشرة صباحا أي يجب أن أغادر الفندق الساعة السادسة صعدت إلي غرفتي الساعة الثانية و النصف لأحضر حقيبة سفري و لا نوم تقريبا و لكنني سعيد. فالسعادة الحقة في مساعدة الناس و تغيير حياتهم إلي الأفضل.
جاء عم حمزة في الصباح و أوصلني للمطار و نزل من السيارة و ترجل معي و سلم علي علي باب الدخول و عانقني و هو يبكي في منظر أثر في و من حولنا كثيرأً و تركني في حالة راقية من الإنسانية الجميلة التي لا نصل إليها إلا قليلا.
كان عم حمزة قد أشتري الأنسولين المطلوب و بدأ الأفطار المتفق عليه و لكنه لم يقل لي ، كنت متخيلا أنه سيبدأ بعد رمضان و لكنه رجل ذو همة عالية ..
نزلتُ مطار دبي الساعة الثانية ظهراً لأجد رسالة أسعدتني كثيراً...
تقول: لأول مرة من 11 سنة م. أحمد ، سكري 118 ...لا أستطيع إلا أن أقول لك.. جزاك الله خيرأً...
أما أنا فأبتسمت و قلت الحمد لله
لن أنسي عم حمزة أبدا..إذا كانت حالتك قريبة من عم حمزة فغير من نفسك سريعا جدا و أضبط سكرك لأنه لا بديل لك عن ضبط السكري..
الحمد لله.
Comments
هدية من الله تحمي طريقي
ورفيق يعينني على رحلة العمر
وقلب محب يكون فيه وثوقي
مثله مثل الوردة
يحمل عني همومي عند اوقات الشدة
وبيننا الخير والمودة
يا رب احفظ صديقي
وفقك الله ورعاك ونفع بك