أم خالد و الأماريل
هي أمرأة في الخمسينات طيبة الملامح مصرية تقاسيم الوجة تنظر إليها تُحس أن الدنيا لا زالت بخير ، زاد وزنها كما هي العادة مع الزمن ، تمشي بصعوبة من ثقل وزنها ، مات عنها زوجها و هي في الثامنة و العشرين من العمر و ترك لها خالد هو كل ما تملك في الدنيا ، قررت أﻻ تتزوج و نذرت حياتها لتربية خالد. رحلة طويلة من العَوَزْ و الفقر المحتشم و الوحدة المنكسرة و الليل الطويل و البكاء الصامت و تخيل الحبيب و تذكر أوقاته الحلوة و النهار الثقيل البطئ المرور ، ﻻ يخفف عنها كل هذا إﻻ الحب الفطري لله و اﻷعتماد عليه و ربط كل ما يحدث في حياتها بمشيئته عز و جل. كم من ليال باتت ليس معها مصروف مدرسة أو غذاء الغد أو دواء لخالد إذا مَرضْ ثم نامت و أصبحت و إذا بالحل هناك منسوج بأيد ﻻ نراها و لكن نحسها . أيد العَلِي القدير التي تدبر من حيث ﻻ ندري ليس مصادفة بل يقينا حادثا ﻻ محالة . زرع فيها زوجها الراحل حب القراءة و التفكر و التدبر فقد كان رجلا يحب العلم و نقلت هي هذه الشعله إلي أبنها الحبيب خالد ، فشب خالد علي حب القراءة و العلم و شراء الكتب في جميع التخصصات و قراءتها بنهم و التعلم منها و محاولة تطبيق ما فهمه منها.
مرت اﻷيام و كبر خالد و دخل كلية الطب و كان طالبا متميزا صقلته كثرة القراءة الطبية و العلمية. فجأة تشتكي الحاجة أم خالد بعض اﻷعراض الغريبة مثل العطش الشديد و الذهاب للحمام مرات عديدة بل و اﻷستيقاظ من النوم عدة مرات للذهاب للحمام و الشعور بالضعف و الوهن الشديدان فأقترح عليها خالد أن يذهبا معا الطبيب المشهور الذي يُدَرِس لخالد في الكلية.
ذهبا للطبيب المشهور و الذي حلل لها السكري في عيادته و للمفاجأة وجده 425 مجم/دل.. يا الله ستبدأ بدرية رحلة العلاج للسكري من النوع الثاني. و السكري من النوع الثاني لمن لا يعلم هو مرض ينشأ في اﻷغلب نتيجة لعامل وراثي و عامل يرتبط بسوء العادات الغذائية و أكل الكثير من السكر المتمثل ليس في السكرفقط بل في كل الطعام الذي يتحول لسكر في أجسامنا أو بمعني أدق علميا يتحول إلي جلوكوز مثل اﻷرز و الخبز و المعكرونة و المعجنات و البطاطس و العصائر و الصودا و البيتزا، ما يحدث هو اننا نُحَمِّل بنكرياسنا ما لا يطيق من إنتاج متواصل من اﻷنسولين اللازم لتغطية هذا الجلوكوز في الدم الناتج من هضم الكربوهيدرات فتضطر خلايا الجسم و الكبد إلي مقاومة هذا الطوفان القاتل من الجلوكوز عن طريق مقاومة اﻷنسولين و الذي يضطر البنكرياس إلي إنتاح المزيد من اﻷنسولين لتعويض هذه المقاومة إلي أن يفقد البنكرياس قدرته علي إنتاح المزيد من اﻷنسولين و هنا يبدأ إرتفاع سكر الدم لمستويات أعلي من الطبيعية و يبدأ بالتالي السكري من النوع الثاني...هذا ما حدث مع أم خالد . وضعها الدكتور علي دواء يحث البنكرياس علي إنتاج المزيد من اﻷنسولين و الذي أستوقف خالد طالب الطب المثقف الذي يقرأ و أراد أن يسأل أستاذه الطبيب الكبيرعن إختياره هذا و لماذا أختاره و هو يعلم انه علاج للعرض فقط و سيضبط السكر نسبياً علي حساب هبوط مستمر و نهم مستمر للأكل نتيجة لأرتفاع مستويات الأنسولين في الجسم و استهلاك سريع لما تبقي في البنكرياس و سينتهي الحال بأمه بعد شهور أو سنين طالت أم قصرت إلي بنكرياس منتهي و غير قادر علي إنتاج الأنسولين. لم يستطع خالد أن يجادل أو حتي يناقش الطبيب المشهور الفذ ﻷنه مُدَرسه في الكلية و أنه ربما سيفهم هذا النقاش بشكل خاطئ.
رجع خالد مع أمه في تلك الليلة و لم ينم و ظل يحاول أن يتذكر أين قرأ عن اﻷدوية المحفزة للبنكرياس علي إنتاج اﻷنسولين ...إلي أن تذكر أنه قرأها في كتاب ما لطبيب أمريكي مشهور مصاب بالسكري ...أحضر خالد الكتاب و وجد ما يبحث عنه أن هذا النوع من اﻷدوية ﻻ يجب أن يُكْتب للسكري من النوع الثاني و انه من اﻷولي العمل بكل الوسائل علي تقليل مقاومة الجسم للأنسولين بتقليل السكر و الكربوهيدرات الداخلة إلي الجسم و ممارسة رياضة منتظمة حتي لو مشي خفيف و أخذ أدوية ﻻ يجب أن يُكْتب للسكري من النوع الثاني و انه من اﻷولي العمل بكل الوسائل علي تقليل مقاومة الجسم للأنسولين بتقليل السكر و الكربوهيدرات الداخلة إلي الجسم و ممارسة رياضة منتظمة حتي لو مشي خفيف و أخذ أدوية تساعد في تحسين حساسية اﻷنسولين. و قرأ في هذا الكتاب أيضاً أن هذا النوع من الأدوية يُنهي البنكرياس سريعاً و يتسبب في نوبات سكر منخفض كبيرة لو كان الأكل غير متناسب مع جرعة الدواء أو تم تاخير الوجبة أو السناك إذ أن هذا الدواء يحث الببنكرياس علي إنتاج المزيد من الأنسولين في جميع الأوقات و ليس مع الأكل فقط ، كما أن هذا النوع من الأدوية يُسْرع بنهاية و تدمير خلايا بيتا في البنكرياس و ذلك لأنه يزيد من إنتاج مادة سامة تسمي الأميلويد تقضي علي خلايا بيتا ....ماذا سيحدث لأمي إذن ..هل سيُنهي هذا الدواء بنكرياسها.
كل ما يقوله هذا الكتاب الرائع معقول و منطقي فلماذا يكتبه إذن الطبيب الكبير. حجز موعدأً آخر عند طبيب آخر فكتب له نفس الدواء أيضا ثم موعدا آخر فكتب له نفس الدواء ، حاول خالد أن يسأل و لكن كالعادة كانت الردود الجافة المتعجرفة من أمثال سبكم بقي من كلام النت ده – أنت حتعرفني شغلي – هو أنا الدكتور و لا أنت ... فاقتنع خالد علي مضض أنهم ربما يكونون علي صواب و أن الطبيب صاحب الكتاب ربما يبالغ في الموضوع و أنهم أطباء كبار و يفهمون أكثر منه. بدأت أم خالد رحلتها مع الأماريل و هبوطاته التي لا تنتهي و الجوع المستمر الذي يسببه و النهم للطعام و السكر الذي يصل لأرقام تصل إلي 300 تارة و أرقام تصل إلي 40 تارةً أخري!!
مرت سنة و بدأت أرقام سكر أم خالد تعلو و معها تعلو جرعة الأماريل إلي أن أنتهت خلايا بيتا المسؤولة عن إنتاج الأنسولين في البنكرياس. و بدأت أم خالد في إستعمال الأنسولين الخارجي و الذي كان من الممكن أن يُؤَخر لو أستُخْدمت طرق علاجية أخري تحافظ علي الأنسولين .. تماما كما قال الطبيب مؤلف الكتاب ، تماماً كما وصفه. إذن هذا فعلا ما يفعله هذا النوع من الأدوية بالسكريين ، إذن لماذا يكتبه معظم أطبائنا أو يكتبون بدائله كالديماكرون.
أم خالد في جلسة مسائية جميلة تتناول العشاء مع خالد بعد أن تأخذ حقنة الأنسولين مع العشاء و تؤلمها الشكة ، خالد انتهي من عمل الشاي و جلسا معا يحتسيان الشاي و أم خالد تنظر إلي مكان الحقنة الذي اصبح أزرقا و متورما و تنظر إلي السماء و تشكر الله بعفوية بسيطة و خالد ينظر إلي أمه المتألمة الراضية القانعة بحزن و ندم أنه لم يسمع كلام الطبيب السكري مؤلف الكتاب الرائع .. يسرح قليلا ثم يقرر شيئا ما ..
تمر عشر سنين و يصبح خالد طبيبا مشهورا و يكتب في حجرة كشفه بالعيادة لوحة كبيرة وراء ظهره تقول:
أنا أعالج المرض لا العرض ..
أنا لا أكتب أدوية تقتل بنكرياسك بل أدوية تساعده..
Comments
وبارك المهندس عفيفي والدكتور خالد